القمص تادرس يعقوب ملطي
كنيسة الشهيد مار جرجس باسبورتنج
اولا كل سنة وانتوا طيبين بمناسبة صوم يونان
ثانيا دة تفسير السفر عشان اللى يحب يدرسة فى الايام دى
مقدمة عن يونــان
يونان :
1. كلمة "يونان" أو "يونا" في العبرية تعني حمامة، وفي رأي القديس چيروم تعني أيضًا "متألم". لهذا يرى أن هذا السفر هو سفر حلول الروح القدس الذي يظهر على شكل حمامة كما في عماد السيد المسيح، خلال المسّيا المتألم، الذي دخل إلى القبر كما إلى جوف الحوت وقام ليقيمنا معه، واهبًا إيانا روحه القدوس عاملاً فينا. وكما يقول القديس چيروم: [صوّر يونان قيامة ربنا بعبوره في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالِ ليهبنا الغيرة الأولى لنوال حلول الروح فينا].
2. تنبأ يونان بن أمتاي في أيام يربعام الثاني ملك السامرة (٢ مل ١٤: ٢٥)؛ عاش في جت حافر التي من الناصرة. وقد تنبأ أن الله يرد حدود السامرة إلى مدخل حماة شمالاً وإلى بحر العربة وخليج العقبة جنوبًا، أما موضوع نبوته لإسرائيل فهو إنقاذه من ظلم آرام (سوريا).
3. كان نبيًا لإسرائيل "مملكة الشمال" حوالي عام ٨٢٥ – ٧٨٤ ق.م، معاصرًا عاموس النبي، وقد سجل نبوته غالبًا بعد عودته من نينوى.
4. جاء في التقليد اليهودي أن يونان هو ابن الأرملة التي أقامه إيليا النبي في صرفة صيدا (١ مل ١٨: ١٠ – ٢٤)، ويرى البعض أنه تقليد له اعتباره، إذ يليق إرسال هذا النبي المحب لإسرائيل إلى نينوى الأممية يكرز لها بالتوبة بكونه أممي من جهة والدته.
نينوى :
عاصمة الإمبراطورية الأشورية، جددها الملك سنحاريب كعاصمة له ( ٢ مل ١٩: ٣٦).
يرى البعض أن مدينة الموصل الحالية تقوم على نصف مساحة نينوى القديمة، ويرى غالبية الدارسين أن نينوى قد شُيدت على الضفة الشرقية من نهر دجلة، على فم رافد "الخسر"، على بعد ٢٧ ميلاً من إلتقاء دجلة مع الزاب. وكان العبرانيون يعممون إسم نينوى ليشمل كل المنطقة حول إلتقاء الزاب بدجلة (تك ١٠: ١١، ١٢؛ يون ١: ٢؛ ٣: ٣).
كان أهل نينوى، وهم بابليون الأصل (تك ١٠: ١١) يعبدون الآلهة عشتاروت، عُرفت المدينة بغناها وعظمتها وجمالها فكان ملوك الأشوريين يجلبون إليها الغنائم ويحسبون العالم القديم كله عبدًا لها.
سمى ناحوم النبي نينوى "مدينة الدمار" ملآنة كذبًا وخطفًا، كما تنبأ صفنيا النبي بخرابها، عُرف ملوكها بالعنف الشديد يتسلون على جذع أنوف الأسرى وسحل عيونهم وقطع أيديهم وآذانهم، وعرضهم أمام الشعب للسخرية.
في أواسط القرن السابع ق.م. أخذت إمبراطورية أشور تتقهقر وتنحل، وفي عام ٦2٥ ق.م. أعلن نابوبلاسر البابلي إستقلاله عن نينوى، وفي عام ٦١٢ ق.م. تحالف مع جيرانه أهل مادي وهاجم نينوى نفسها ودمرها، ساعده على ذلك فيضان دجلة وطغيان مياهه على الشوارع والساحات، وقد تحولت المدينة إلى أسطورة.
نينوى وكنيسة الأمم :
سفران في العهد القديم موجهان إلى الأمم، سفر عوبديا يخص بني آدوم حيث يعلن رمزيًا هلاك الإنسان العتيق الدموي (بني آدوم) وإقامة الإنسان الجديد الروحي (صهيون)، وسفر يونان يخص أهل نينوى الذي يعلن رمزيًا عن قبول الأمم للكرازة وإعلان توبتهم ورجوعهم إلى الله.
بينما كان اليهود يقاومون الأنبياء ويضطهدونهم إذا بأهل نينوى يقبلون كرازة يونان ويعلنون صدق توبتهم. بهذا يرى القديس چيروم صورة رمزية لرفض اليهود للسيد المسيح الذي تنبأ عنه أنبياؤهم بينما قبلت الأمم الغريبة الإيمان به خلال سماعها عنه. وكما قال السيد المسيح نفسه: "رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا" (مت ١٢: ٤١). يقول القديس چيروم: [صار اليهود تحت الحكم بينما قبل العالم الإيمان. تمارس نينوى التوبة بينما يهلك إسرائيل في جحوده ويجف. هم عندهم الكتب أما نحن فلنا رب الكتب؛ هم لهم الأنبياء أما نحن فلنا فكر الأنبياء. هم يقتلهم الحرف أما نحن فيحينا الروح. لديهم باراباس مقيدًا، أما نحن فلنا المسيح ابن الله حرًا].
هذا الفكر لم يظهر في توبة نينوى فحسب وإنما في خشوع رئيس النوتية والبحارة وخوفهم الرب وتقديمهم ذبائح له ونذرهم نذرًا... أي قبول الأمم الرب وتقديمهم العبادة الخاشعة له.
سماته :
كشف هذا السفر عن محبة الله للبشرية من جوانب متعددة، فأعلن أنه إله الجميع، يهتم باليهود كما بالأمم، يوّد خلاص كل نفس. في محبته يعلن ضعفات نبيه لا للتشهير بها وإنما ليهب رجاءً لكل نفس ضعيفة، وفي محبته يبرز الجوانب الطيبة حتى في الأُمميين فيعطي ضوءًا على تصرفات رئيس النوتية ورجاله المملوءة حكمة ولطفًا فاستحقوا أن ينعموا بالإيمان. وفي محبته يستخدم الله كل شيء حتى الخليقة الجامدة لتحقيق غايته نحو الإنسان فهو الذي أرسل النوء العظيم، وأعد حوتًا ليبتلع يونان، ودودة تأكل اليقطينة وتتلفها، وريحًا شرقية حارة فتضرب الشمس رأس يونان... كلها إرساليات تبدو عنيفة وشديدة لكنها تُحقق مصالحة الله مع الإنسان وتعلن عن محبته له.
سفر يونان من الجانب النقدي
1. يونان ككاتب السفر :
قدم لنا Raven في كتابه "مقدمات العهد القديم" ملخصًا لأهم الإعتراضات على أن يونان هو كاتب السفر، وهي:
أولاً: أن السفر لم يشر إلى أن يونان هو كاتبه. ويُرد على ذلك أن المقدمة جاءت بنفس طابع مقدمات كثير من أسفار الأنبياء مثل هوشع ويوئيل وميخا وصفنيا وحجي وزكريا.
ثانيًا: قيل أن السفر يحوي كلمات آرامية وتعبيرات استخدمت في عصر متأخر بعد زمن يونان، مثل تعبير "إله السماء" (١: ٩) الذي استخدمه عزرا ونحميا ودانيال لم يستخدمه رجال ما قبل السبي. ويُرد على ذلك أن وجود تعبيرات مستخدمة بعد السبي لم تظهر في أسفار ما قبل السبي لا يعني أن التعبير كان غير معروف قبل السبي. أما تعبير "إله السماء" على وجه الخصوص فلم يظهر في أسفار ما قبل السبي إلاَّ في يونان، لأن الحديث موجه إلى رجال أُمميين كالبحارة وملك نينوى (٣: ٧)، وهو تعبير مناسب لهم. وجود كلمات آرامية استخدمت مؤخرًا لا تعني عدم معرفتها قبلاً، إنما يُحتمل أن تكون منقولة عن العبرية القديمة ولو كانت لم تستخدم في الكتب المقدسة قبل السبي.
ثالثًا: يرى البعض أن الكاتب في عصر متأخر مُدللين على ذلك عدم معرفته لإسم ملك نينوى إذ لم يذكره بالاسم. يُرد على ذلك أن النبوة وإن كانت تمس حياة أهل نينوى لكنها موجهة لإسرائيل للكشف عن محبة الله للأمم وشوقه إلى توبتهم وخلاصهم، فلا حاجة لذكر إسم الملك.
رابعًا: ما ورد في صلاة يونان الشعرية (الأصحاح الثاني) مقتبسًا من المزامير، وكأنها كتبت في عصر متأخر:
[ع ٣] من مزمور ٤٢: ٧؛
[ع ٥] من مزمور ٦٩: ١٠؛
[ع ٩] من مزمور ٥٠: ١٤.
ويرد Raven بالقول أنه ليس في هذا دليل أن السفر كُتب متأخرًا، فكما يمكن القول بأن يونان اقتبس من المزامير يجوز لنا القول بأن المزامير أقتبست هذه العبارات عن سفر يونان.
2. سفر رمزي :
إدعى بعض النقاد أن هذا السفر يقدم صورة رمزية مجردة وليس حقيقة واقعة، فيونان في رأيهم يمثل إسرائيل العاصي، والحوت الذي ابتلعه هو بابل الذي سبى إسرائيل، وجوف الحوت هو السبي، وما تلى ذلك من خلاص إنما يُشير إلى عمل الله الخلاصي ورد الشعب من السبي، أما حُججهم في ذلك فهي:
أ. لم يرد السفر بين الأسفار التاريخية بل النبوية.
ب. جاءت توبة أهل نينوى سريعة ومفاجئة وبشكل جماعي، وجاء قرار ملك نينوى بطريقة غير متوقعة، الأمر الذي لا يحدث واقعيًا.
ج. لا يُعقل أن إنسانًا يُحفظ في جوف الحوت لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال ويخرج حيًا، ويُقدم صلاة شكر داخل الجوف.
د. ما ورد في هذا السفر قدم فكرًا رمزيًا أُعلن في أسفار أخرى، فقد رُمز لنبوخذنصر بتنين يبتلع إسرائيل: "أكلني أفناني نبوخذنصر ملك بابل، جعلني إناءً فارغًا، ابتلعني كتنين وملأ جوفه من نعمي، طوّحني... وأعاقب بيل في بابل وأخرج من فمه ما ابتلعه فلا تجرعه إليه الشعوب بعد ويسقط سور بابل أيضًا، أخرجوا من وسطها يا شعبي ولينج كل واحد نفسه من حمو غضب الرب" (إر ٥١: ٣٤، ٤٤، ٤٥). ورُمز لمدة السبي بثلاثة أيام: "يُحينا بعد يومين، في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هو ٦: ٢).
ويرد بعض الدارسين على الإعتراضات السابقة مؤكدين أن هذا السفر مع ما حمله من معانٍ رمزية كثيرة يروي قصة واقعية حقيقية، ودلائلهم على ذلك الآتي:
أ. وضع السفر بين كتب الأنبياء لا بين الأسفار التاريخية لا ينفي ما قدمه السفر من واقع تاريخي، فقد وُضعَ هكذا لأن الكاتب نبي، ولأن الواقعة تحمل أيضًا جانبًا نبويًا، كما جاءت تسبحة يونان قطعة نبوية رائعة تعلن عن عمل السيد المسيح الخلاصي.
ب. الإعتراض بأن توبة ملك نينوى وشعبه جاءت سريعة بطريقة غير متوقعة لا يمكن قبولها، إعتراض ضعيف، فظهور نبي غريب الجنس قذفه الحوت بعد ثلاثة أيام من جوفه قد أثار البلد كلها، وكان موضوع رعب الجميع. وقد تحدث السيد المسيح عن أهل نينوى في توبتهم بكونهم يدينون إسرائيل، كما أعلن أن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء الملكوت.
ج. ما ورد في سفري إرميا وهوشع من رموز مشابهة لقصة يونان كتشبيه ملك بابل بالتنين ومدة السبي بثلاثة أيام لا يعني أن سفر يونان سفرًا رمزيًا مجردًا، بل بالحري إستقى البنيان الرمز منه.
د. أما من جهة إماكنية بقاء إنسان حيّ لمدة ثلاثة أيام في جوف حوت وتقديمه تسبحة شكر لله هناك، فقد إعترض البعض على ذلك حتى في عصر القديس چيروم إذ يرد عليهم بقوله: [هل هؤلاء القوم مؤمنون أم غير مؤمنين؟! فإن كان لهم الإيمان فليُصدقوا ما قيل، كيف يمكن لثلاثة فتية يُلقون في أتون نار ملتهب ولا تمس النار ثيابهم ولاّ حلت بها رائحة النار (إر ٣: ٢٩)؟! كيف يتراجع البحر كيابسة ويصير كسورين للشعب حتى يعبر (خر ١٤: ٢٢ – ٢٩)؟! كيف يمكن لأسد جائع يرى ضحيته (دانيال) في الجب ولا يريد أن يمسها؟!].
هذا من الجانب الإيماني، أما من الجانب العلمي فقد أفرد الدكتور يوسف رياض الأستاذ بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية بحثًا شيقًا يوضح فيه من الجانب العلمي إمكانية حدوث هذا. قال إن الكلمة العبرية "دوج" التي ترجمة "حوت" وردت في العهد القديم 19 مرة وترجمة في كل مرة "سمكة"، وأن الكلمة اليونانية في العهد الجديد "كيتوس" ترجمتها "وحش من الأعماق"، وكأن العهدين إتفقا أنها سمكة ضخمة أو وحش بحري. وقد أورد أمثلة من الواقع العملي لأُناس وحيوانات ابتلعها أنواع من الأسماك الخاصة الـ Rhinodon Typicus دون أن يتحطم هيكلهم العظمي أو يصابوا بأذى. من بين هذه الأمثلة سقط أحد البحارة من الأسطول الإنجليزي يقوم بالصيد في القتال الإنجليزي فابتلعته سمكة من هذا النوع وهربت. وإذ قامت السفن القريبة بالبحث عنها وجدتها بعد ٤٨ ساعة فاصطادتها بمدفع، وسحبت السمكة لإخراج هيكل الجندي ودفنه، وكم كانت دهشتهم بالغة حين رأوا زميلهم مُغمى عليه فأنقذوه ودُعي "يونان القرن العشرين".
هـ. لم يقف الدارسون عند حدّ الرد على المعترضين على واقعية قصة يونان، وإنما قدموا دلائلهم على ذلك منها:
أولاً: أشار ربنا يسوع المسيح إلى قصة يونان كحقيقة واقعة، وأيضًا إلى توبة أهل نينوى (مت ١٢: ٣٩ – ٤٠؛ لو ١١: ٢٩ – ٣٠)، ولم يعترض أحد من اليهود أنها قصة رمزية.
ثانيًا: طابع السفر تاريخي بسيط وليس بالسفر الشعري الرمزي، إذ يضم أصحاحًا واحدًا شعريًا هو صلاة يونان في جوف الحوت. هذا ويذكر السفر إسم النبي واسم والده بكونهما شخصين معروف مكان نشأتهما (٢ مل ١٤: ٢٥)، كما يذكر أسماء مواضع معروفة مثل يافا وترشيش ونينوى، فالأسماء ليست رمزية.
ثالثًا: لو أن السفر قصة رمزية غير واقعية كتبها آخر غير يونان نفسه لما كشف بقوة عن خطأ فكر النبي فقد جاء السفر يكشف عن الكاتب كنبي تائب يُسجل بقلمه وبوحي إلهي أعترافاته، فاضحًا أعماق قلبه، وكأنه مع معلمنا بطرس الرسول يقدم دموع توبته، ومع القديس مرقس الإنجيلي يُسجل خطأه أكثر مما سجله بقية الإنجيليين. وفي نفس الوقت يبرز جوانب طيبة في النوتية الأُمميين وإستعدادًا فائقًا للملك الوثني وكل شعبه لقبول محبة الله الفائقة لكل البشرية. فبينما يظهر النوتية الأمميون كرجال صلاة (١: ٥) يصرخون إلى آلهتهم قبل أن يمارسوا خبرتهم البحرية كإلقاء الأمتعة من السفينة إذا به يتحدث عن نفسه الإنسان الوحيد في المركب يغط في نوم عميق، فييقظه الله بكلمات الأمميين.
هذا الفكر الإنجيلي المتسع الذي يفتح أبواب الرجاء أمام الأمم ويعالج الأمور بغير تحيز لم يكن ممكنًا لكاتب يهودي أن يتقبله أو يسجله هكذا بوضوح وصراحة إلاَّ من كان كيونان دخل إلى الموت في جوف الحوت وتلامس مع الله الذي يُقيم الأموات أيًا كانت جنسية هؤلاء الموتى!
رابعًا: من الجانب التاريخي قارن Winckler الإصلاحات الدينية للملك أدادنيراري الثالث Adadnirari III (٨١٢ – ٧٨٣ ق. م) بإصلاحات الملك أمنوفيس الرابع في مصر وقرر أن الأول "هو الملك الذي وجده يونان في نينوى عندما ذهب إلى هناك ووجد تجاوبًا ملكيًا مع تعليمه".